وَقفة على كتاب “الشيخُ أحمد صغير لوح في أيامه الخالدة”، للدكتور أحمد مختار لوح.

0
120

بقلم / شعيب بن حامد لوح

يعتبر هذا الكتاب عِقدا فريدا زيَّن المكتبة الإسلامية السنغالية، لأمريْن اثنين:
1- مقام المؤلَّف والمترجَم فيه وهو العلامة المقرئُ الشيخ أحمد صغير لوح.
2- تضلُّع المؤلِّف وإحاطته بمحيط الشخصية المترجمة في الكتاب، وثقافَته الواسعة.
أولا: مقام المؤلَّف والمترجم فيه العلامة المقرئُ الشيخ أحمد صغير لوح، وبالنسبة لهذه الناحية، يمكن القول بأن الكاتب لم يغفل عن أي مرحلة من مراحل حياته المختلفة إلا وقد بيَّنها بيانا شافيا، بدء من أصوله وبطونه التي ينحدر منها، وميلاده، وتعلُّمه، وتدريسه، وتربيته لطلابه على منهج جامع رباني غير غافل عن متطلبات التلميذ النفسية والجسدية.
ومما أعجبني في رؤيته التربوية قول الباحث عنه: “وتجدرُ الإشارة إلى أن الشيخ كان يُربي طلابه على هذا المنهج المُتسامي على نفي الآخر وتكفيره، ووَصمه بأقذَع عبارات الذَّم والتشويه؛ لمجرد اختلاف معه في فهم النص القرآني وتفسيره، أو النبوي الحَمَّال الأوجه، كما هو المعهود اليوم في المؤسسات التعليمية الطائفية والمُؤَدلجة (مدارس وجامعات) التي تربي طلابها على الفكر الأوحد والرأي الأوحد، ولا تحترم في مخرجات أبحاثها آداب البحث العلمي وضوابطه الأخلاقية والمهنية المبنية على الموضوعية، والحَيدة العلمية، ونبذ أخطاء التفكير وسلبياته ومعوقاته، من تعميم، وتهوين، ونظرة حدية للأمور، وهو واقع مرير أفرز في عالمنا الإسلامي جيلا خَشِنا ولَدِدا في الخصومة والنقاش من الشباب والشيوخ”، (ص:237- 238)، وهذه الميزة يجب أخذها بعين الاعتبار والتأسِّي بها في زمن انتشرت فيه الاتهامات وإقصاء الآخر.
ثانيا: تضلُّع المؤلِّف وإحاطته بمحيط الشخصية المترجمة في الكتاب، وثقافته الواسعة.
لقد جسَّد أستاذنا الدكتور أحمد مختار لوح في هذا الكتاب ما كان يرشدنا إليه بين رُفوف الفصول من متطلبات البحث العلمي وضوابطه، وهو طريق شاق يقتضي نفَسا طويلا، ويأخذ وقتا غير قصير، لا يسلكه غير من جاهد نفسه وفطمَها من رُعوناتها وحظوظها، وقد لفت نظري -وأنا أقرأ هذا الكتاب- ثلاثُ ظواهر:
1- التأصيلُ العلمي لموضوعات الكتاب: مما ميز الكتاب وزينته ظاهرة التأصيل؛ حيث عُني المؤلف حين يورد الشخصيات والقرى والمسائل بتأصيلها تأصيلا رائعا، يطلعنا على معلومات يساعد القارئ على ربط الأحداث بعضها ببعض.
ويركز المؤلف الاهتمام حين الحديث عن الشخصيات والأعلام بإبراز الوشائج والأواصر الرُّحمية التي تربط بينهم، أو بيان تَتَلمذ بعضهم على أيدي البعض، أو التَّزاور والمراسلة. وفي القرى متى نشأتها؟ ومن أنشأها؟ وموقعها، وأثرها في دفع عجلة العلم، ومساهمتها في العمل الإسلامي في بلدنا.
ويبرز التأصيل أكثر في المسائل العلمية التي يطرحها المؤلف بين دَفَّتي الكتاب سواء كان أثرا من النصوص المقدسة، أو مختلفا فيه بين العلماء من أصحاب المذاهب وغيرهم، كما ينقل قول سحنون: “ولا يجوزُ للمعلم أن يرسل الصبيان في حوائجه”. (ص: 208).
2- الموضوعيَّة في الطرح: بالرغم من قرب المؤلف الشديد للمترجم في الكتاب، الأمر الذي قد يؤدي إلى إضفاء القداسة، أو تهويل أمر حقير، -كعادة بعض الكُتاب- إلا أن الموضوعية تظل الاسم الثاني للكتاب. ولا غرو في ذلك؛ إذ ندَّد الكاتب في المقدمة بداء التعصب والبعد عن الموضوعية الذي مُني بهما خلقٌ كثير: (ونحن في بيئتنا الدينية السنغالية الغربية؛ قد جَسدنا خطابا في الإشادة والمحاكمة، أحسن ما يقال عنه إنه مُجاف للموضوعية، غير منصف في مقارباته، يتسم بالتقوقُع الشديد على الذات، والمبالغة في تقديسها وتمجيدها…”، وقد نتج من هذا التمجيد نسف ما لدى الآخرين من حسنات والتركيز على نقاط الضعف وإيثار النظرة السلبية إليهم.
وفي صدد الكلام عن إبداع الشيخ أحمد صغير لوح بالتعليم بواسطة لغة الإشارة، ذكر القارئ أن هذا التعليم: “سبق أن أبدع فيه سرين اندام عبد الرحمن لوح الذي علَّم عددا من أبنائه الصُّم القرآن الكريم حتى حفظوه عن ظهر غيب نسخا”. (ص: 221).
3- استغلالُ النصوص واستنطاقها: وهذه سمة أخرى حلَّت الكتاب زينة يُضنُّ بها، وهي ليست هينة كما يظن البعض، لما يتطلبه من سعة اطلاع وتحسين العلاقة بين الباحث والكتب، ويجزم القارئ أن أستاذنا صافي الوداد مع المطالعة والقراءة شغوف بهما، وهذا بارز عبر التعليق والتعليل والتحليل والنقد البناء المشحونة في الكتاب، مما لا يدع مجالا للشك، بألفاظ سلسة معسولة، وبأسلوب جميل يسحر القارئ سحرا حلالا.
وبالجملة، فهو كتاب جامع في بابه، ثَري المعلومات، تذرَّع الدكتور فيه إلى الحديث عن بعض الامبراطويات القديمة، والسنغال قبل الاستقلال بممالكيها ومدنها الشهيرة بالعلم، وعلمائها الذين تركوا بصمات خالدة لا تمحى، وخدموا الإسلام في وقت عصيب شحَّت فيه الإمكانيات، وكذلك أبرز المناوشات التي كانت تدور بين العلماء والملوك، مما يعني أن الكاتب فتح للقارئ أبوابا لمواصلة البحث والتوسع في موضوعات في غاية الأهمية. وهذا المنهج سنة قديمة ألفناها من الدكتور ونحن نتتلمذ بين يديه في كلية الدعوة الإسلامية في (بِير)، في مواد مختلفة، بما فيها: الفرق الإسلامية، ومجال الدعوة وحال الدعاة، والأخلاق، وشيء من الإعلام ومركزيته، والبحث العلمي والذي بسببه قد كلفتُ به وأحببته، وأخيرا وليس آخرا إن شاء الله هذا الكتاب المهم في بابه.
ونمدُّ أكف التضرع إلى الله أن يطيل في عمره، ويزيده بسطةً في العلم والجسم، وينفع به الأمة أجمع، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

              
                    جُمادى الآخرة 1444هـ.
                        يناير 2023م.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici